عدت من غربتي من أجل أشياء تشعرني بالإنتماء، فكل ماخلّفته العاصفة كان يوما من أشيائي المحبوبة،ذاك الطائر المكسور الساق المبتور الجناح كان يوما ما يغرد على نافذتي،
وتلك الجرائد التي تآكلت من رداءة الحال وكلّ من كانت أخبارهم عليها ربما ماتوا أو رحلوا إلى الأبد وانقطعت أخبارهم،كانوا يوما أخبارا أقرأها مع ارتشاف فنجان الشاي
عدت لأسمع بهرجات الإحتفالات في ساحة المدينة وفرقعات الوجهاء احتفالا بأعياد النصرالذي لم يكن يعنيهم أصلا استحضرت دموع الأمهات والأرامل وهن ينتحبن أمام قبور غاصت رصاصات العدو في قلوبهم وقطعت أكبادهن حسرة وحزنا على فقيد غادر ليس دفاعا عن الوطن بل قربانا للظروف القاهرة والمصير المحتوم،عدت لأرسم الأطفال حول بركة الماء وهم يسبحون
في يوم شديد الحرّ يرسمون زرقة البحر بين أعينهم يحلمون بالضفة الأخرى و بجنة الأحلام أرسم زادهم وقمحم وتلك العجائز
اللواتي ترددن أغاني السنابل والزيتون مع تقاسيم الحزن الصامتة أرسم ملامح الصبر وفن التعايش الجميل في نظراتهم أرسم تنازلاتهم من أجل البقاء،أما القصور هي هي كما تركتها فوقها غيمات سوداء وضباب لايزول باردة كقلوب ساكنيها وأصوات الموسيقى الكلاسيكية بألحان الموت
لازالت تعزف في القاعات الكبرى وذاك الطعام الفاخر على طاولات البرجوازيين كان أغلبه فضلات للكلاب الشاردة فلا أحد يتسمم مما يأكلون كي لا تتسمم الوطنية بأفكارهم المتعفنة،عدت بقلب يحن لمن تركتهم هنا لآخذ جرعة من اكسير الحياة فقد فقدت في الغربة
حاسة العيش وتماديت في التفنن في نفي وإقصاء ذاتي، عدت في موسم الشتاء الدافئ كما يقال عنه ولا أراه دافئا إلا على من يملكون بيوتا تشعرهم بعزف المطر ولا تجبرهم على الرقص تحته،عدت لأتذكر من أكون وأذكر الحروف أن في مدينتي أشياء تسحق أن تكتب لتبقى الحياة ملحمة فيها السلام والحرب الحب وصراع الأقوياء من أجل البقاء.
صفاء رحال